حتى الأكاديميون الأجانب بطَشَ بهم الأمن الإماراتي قامع الحريات!!

حتى الأكاديميون الأجانب بطَشَ بهم الأمن الإماراتي قامع الحريات!!

قمع الحريات والاعتقال السياسي وانتهاك الحقوق، مصطلحات كثرت بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة داخل الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص، وبشكل عام الخليج والمنطقة العربية.

وآخر قضايا القمع والقيود على الحرية وتحديداً حرية الرأي والتعبير، كانت قضية الأكاديمي البريطاني "ماثيو هيدجز"، الذي اعتقله الأمن الإماراتي ثم اتهمه بالتجسس!.

تلك القصة يرويها الدكتور «جون ناجل» الحاصل على درجة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة كوينز، والذي قضى نصف عام في الإمارات بصفته أستاذًا زائرًا في إحدى الجامعات الإماراتية، وكتب روايته في مقال نشر على موقع (conversation the) الأمريكي يكشف ما تعلمه من تلك التجربة، بعد القبض على "هيدجز" أحد طلاب الدكتوراه في الدولة بسبب موضوع بحثه.

وبدأ الكاتب مقاله بالتأكيد على أنه لا يعمل لحساب أي شركة أو منظمة قد تستفيد من المقال، وأنه كذلك لم يتلقَّ أي تمويل من أي مؤسسة أو هيئة أو ما شابه ذلك.
ثم يقول: (إن قضية «ماثيو هيدجز» طالب الدكتوراه البريطاني الذي اعتقل ووضع في الحبس الانفرادي بتهمة التجسس، تكشف عن القيود الشديدة حد التطرف المفروضة على الحرية الأكاديمية في الإمارات العربية المتحدة، وعلى الرغم من بشاعة مأزق «هيدجز»، فإنه ليس صادمًا في سياق المراقبة المتمرسة في النظام الملكي في دول الخليج الغنية بالنفط).
ويذكر الكاتب أنه بعد قضائه أربعة أشهر أستاذًا زائرًا في الجامعة الوطنية في الدولة، وجدَ العديد من الجوانب التي تستحق الإعجاب في الجامعة، حيث يقوم طاقم الجامعة بإجراء الأبحاث في حرم الجامعة المزودة بمرافق رفيعة المستوى لدرجة إثارة الرهبة والتقدير، وكذلك الغيرة في نفوس الأساتذة الزائرين، فضلاً عن أن الطلاب المتحمسين للغاية يجعلون التدريس مثمرًا.
إلا أن تلك المميزات تأتي على حساب الحرية الأكاديمية، إذ عادة ما يمنع الأكاديميون من دخول البلد بسبب تصنيفهم بـأنهم «تهديدات أمنية»، ويجد الأكاديميون أنفسهم قيد الاعتقال والحبس التعسفي بسبب نشاطهم في مجال حقوق الإنسان، علاوة على تطبيق نظام المراقبة بانتظام على الأكاديميين أنفسهم، وكذلك الأحداث العلمية، ويقول إنه شهد بنفسه خلال فترة تواجده في الإمارات، فرض بعض القيود غير المعلنة على الإنترنت واستخدام برنامج سكايب.

ثم يشير الكاتب إلى أنَّ: (تلك القيود المفروضة على الحرية الأكاديمية مدفوعة بشدة من هوس السلطات بقمع أي نشاط يشتبه في تهديده الأمن والسلطة؛ وبطبيعة الحال ثارت حفيظة الدولة بسبب الفوضى التي أطلقتها احتجاجات ومظاهرات الربيع العربي، وصارت على استعداد لفعل أي شيء لوقف تصديرها إلى بلدهم).
ويضيف أنَّ: (أيّ محاولة تنديد أو معارضة موجهة ضد النخب الإماراتية، أو حتى المطالبة بالمزيد من الحريات، يمكن أن تؤدي إلى حملات أمنية، ولا شك أن المساحات التي بإمكانها تعزيز الديمقراطية على الإنترنت، لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي، التي تُعَدّ موضع شك بصفة خاصة، ففي عام 2012م، تمّ تعديل القانون ليجعلَ السجن "عقوبة مباشرة" لأي خطاب يشتبه في كونه مضرًا بالدولة!!).
ثم يذكر: (المدعي العام للدولة قد أعلنَ أنَّ «هيدجز» -طالب الدكتوراه- متهم «بالتجسس لصالح دولة أجنبية وبالنيابة عنها»، وأنه عرَّض "الأمن العسكري والاقتصادي والسياسي لدولة الإمارات المتحدة" للخطر)، حيث يقول الكاتب في هذا الشأن: (إنَّ بحث «هيدجز» معني بالتحقيق في أثر الربيع العربي على الإستراتيجية الأمنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، إذ يضرب بوضوح عصبًا حساسًا لدولة الإمارات، علاوة على أن القبض عليه يعد رسالة قوية مفادها أن الدولة على استعداد لتقليص حرية تعبير الأكاديميين).

الحرية المقيدة:
ويعلق الكاتب أنه بصفته أكاديميًّا متخصصًا في مجال العلوم الاجتماعية، تعود على التفكير بتفاؤل بشأن الجامعات باعتبارها حصونًا لحرية التعبير والتفكير النقدي، وبعد قضائه عددًا من الشهور في جامعة الإمارات الوطنية، سرعان ما اكتشف أن التعليم في الإمارات يُوظَّف بطريقة مختلفة إلى حد ما، فبدلاً من تشجيع التفكير النقدي، يعتمد التعليم هناك على المنطق التكنوقراطي، ومن المفترض أن التعليم في المجتمع يساعده على حل مشكلاته الاجتماعية المعقدة، والحفاظ على الوضع الراهن، فعلى سبيل المثال، حوالي 90% من الطلاب بجامعة الإمارات الوطنية، هم من النساء، ويتم فصل الذكور عن الإناث في الحرم الجامعي، وبالتالي بعد الدراسة الجامعية من المفترض أن تكتسب المرأة المهارات العملية التي تساعدها على الاندماج في القوى العاملة دون أن تفقد دورها التقليدي باعتبارها أمًا وزوجة.
إلا أنَّ الحكومة بتوجهها هذا، ربما تخوض معركة خاسرة، إذ تنخفض معدلات الزواج في الإمارات العربية المتحدة، علاوة على أنَّ نسب الطلاق في الإمارات هي الأعلى في المنطقة، إذ تطالب النساء بمزيد من الاستقلال، ومن خلال خبرته في التدريس، وجد أن الطالبات الإناث تعملن بجد واجتهاد بشكل مذهل، وطموحين للغاية تدفعهم زيادة فرص العمل، وبالتالي احتلت قضية حرية التعبير مركزًا تاليًا لدى الطلاب.
وبشكلٍ عام، فإن القيود المفروضة على المواطن أو المقيم هناك، تجعل حدود الحريات ضيقة جداً.

أبو ظبي قِبلة محببة للمؤسسات العالمية

يقول الكاتب نظرًا لأن ثمة العديد من الطلاب الأثرياء الذين يحرصون على اكتساب مؤهلات من المؤسسات العالمية، تعد الإمارات العربية المتحدة وجهة جذابة وقِبْلة محببة للجامعات البريطانية التي تعاني من ضائقة مالية، ففي سبتمبر على سبيل المثال، افتتحت جامعة برمنجهام حرمًا لها في دبي، إلا أن الحرية الأكاديمية مسألة حتمية ستواجه تلك المؤسسات العالمية، حيث برز عدد من القضايا الشهيرة المشابهة بجامعة نيويورك في أبو ظبي، منذ افتتاحها في عام 2008م.
يؤكد الكاتب أنه استمتع كثيرًا بخبرته الأكاديمية، والوقت الذي قضاه في الجامعة الوطنية بالإمارات العربية المتحدة، وليس لديه أي شكوى شخصية بشأن تجربته هناك، لكنه سرعان ما تعلم حدود الحرية الأكاديمية، ويعبر عن رغبته في العودة مجددًا، إلا أنه يخشى بل يرتعش خوفاً مِن أنَّ حتى كتابة مثل هذا المقال كفيلة بأن تضعه تحت بند المعارضة، ومخالفة السلطات الإماراتية.
ويختتم ومؤكدًا على أن بعض الأكاديميين البريطانيين الموجودين في المملكة المتحدة مُـنِعوا بالفعل من دخول دولة الإمارات، بسبب تأييدهم لانتقادات للحكومة، وكما يتضح من قضية «هيدجز»، فإن البحث في موضوعات تعتبر حساسة للسلطات الإماراتية تؤدي بالضرورة إلى عواقب مخيفة!.

وكانت قد أدانت العديد من الهيئات والمؤسسات، اعتقال الأمن الإماراتي للأكاديمي "هيدجز" دون سبب حقيقي، وأن ذلك يهين سمعة الإمارات في الخارج أمام العالم الحر، بإبرازها في صورة الدولة البوليسية التي تُنتهك فيها الحريات والحقوق، تجاه كل من يعارض النظام الحاكم أو ينتقد ولو بكلمة أو تغريدة أي سلوك خاطئ في الدولة!.

الكاتب